الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خوفي من بعض المواقف الاجتماعية جعلني لا أثق بنفسي وقدراتي!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في البداية: لم أكن أعلم أن الحالة التي أعاني منها تُعد حالة مرضية، إلا بعد أن قرأت بعض الاستشارات النفسية، واطلعت على أسئلة طرحها شباب يُعانون من مشاكل نفسية قد تتفق مع حالتي أو تختلف عنها.

وحتى لا أطيل عليكم، فحالتي تتلخص في خوف شديد من بعض المواقف الاجتماعية، فعلى سبيل المثال:
- أشعر بالخوف عندما أدخل المسجد يوم الجمعة، خاصة حين يوجّه الناس أنظارهم نحوي.
- أخاف من إلقاء كلمة أمام الآخرين، حتى وإن كانوا من معارفي، وخصوصًا إذا زاد عددهم عن خمسة أشخاص.
- غالبًا ما يحمر وجهي خجلًا في مثل هذه المواقف، ويلاحظ الناس ذلك ويسألونني: لماذا يحمر وجهك؟
أحيانًا أحاول تجنب أي موقف أعلم مسبقًا أنه قد يؤدي إلى احمرار وجهي؛ لما يسببه لي ذلك من توتر وحرج.

هذه الأعراض جعلتني لا أثق بنفسي وبقدراتي، فأنا أحاول أن أكون شجاعًا ومقدامًا، لكن حالتي تمنعني من ذلك.

والحمد لله تعدّني أسرتي صاحب عقل راجح، كما أنني أتمتع بقدر من الذكاء، لكنني في المقابل أعاني من سرعة في النسيان؛ فقد أنسى حتى بعض المواقف التي يصعب نسيانها.

كما أنني أحيانًا أعاني من ضعف في التركيز، فلا أستوعب بعض الحوارات التي تدور من حولي، وإذا قرأت في كتاب لا أفهم أحيانًا المقصد الذي يريد الكاتب إيصاله، وينتابني ارتباك في ترابط الأفكار؛ مما يزيد من صعوبة الفهم.

إضافة إلى ذلك، فأنا أتمتع بدرجة من الحياء الزائد مقارنةً بالآخرين؛ مما يؤثر على تفاعلي الاجتماعي في بعض المواقف، أرجو منكم تقديم الاستشارة اللازمة لحالتي، علمًا بأنني لم أزر طبيبًا نفسيًا من قبل، إذ لم أكن أعلم أن ما أعانيه قد يكون حالة مرضية، بل كنت أظن أنه مجرد جانب من جوانب شخصيتي.

جزاكم الله خيرًا على ما تقدّمونه من استشارات ومعلومات، وجعل ذلك في ميزان حسناتكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فقد أحسنت بأن كتبت لنا بخصوص هذه المشكلة البسيطة التي تعاني منها، وأنا أقول بسيطة؛ لأنها سهلة العلاج، وإن كانت مزعجة بعض الشيء لك، فالذي تعاني منه يسمى بالخوف أو الهرع أو الرهاب الاجتماعي، ويُقصد به أن الإنسان يُصاب بحالة قلقية عند المواجهة في مواقف اجتماعية معينة، أو حين يكون في مواجهة مع مجموعة من الناس، أو إذا طُلب منه أن يقوم بمهمةٍ معينة، وتأتي للإنسان صور عقلية واعتقادات أنه مراقب من قبل الآخرين، وأنه سوف يفشل، أو أنه سوف يتلعثم، أو سوف يسقط أرضًا، وشيء من هذا القبيل، وهي في حقيقة الأمر حالة من الحالات البسيطة.

أما بالنسبة لاحمرار الوجه؛ فهي حالة فسيولوجية؛ لأن الرهاب الاجتماعي هو نوع من القلق، والقلق يؤدي إلى زيادة في تدفق الدم، وهذا التدفق في الدم يظهر جليًّا في الأماكن التي توجد فيها الشعيرات الدموية السطحية مثل الوجه، فلا تنزعج لذلك؛ فهذه عملية فسيولوجية بحتة.

أما بالنسبة لضعف التركيز الذي تعاني منه، وكذلك النسيان، فأقول لك: هذا ناشئ من القلق؛ لأن القلق النفسي يؤدي إلى التشويش وإلى تطاير الأفكار وعدم القدرة على استيعاب المعلومة وتخزينها ثم إخراجها للاستفادة منها.

الموضوع واضح وبسيط، وفي نهاية الأمر: الرهاب الاجتماعي يعتبر نوعًا من القلق النفسي، وليس أكثر من ذلك، وأنت ذكرت أن عندك حياء زائد، وهذا أمر طيب، فالحياء شعبة من شعب الإيمان، ونسأل الله أن يزيدك حياءً ورفعة، ولكن لا تخلط بينه وبين الخجل، وبين الخوف الاجتماعي، فالحياء يُستفاد منه في أن يكون الإنسان قدوة ونبراسًا للآخرين، ويجب أن لا نتخذه وسيلة للتراخي أو التجنب والعزلة والابتعاد عن الآخرين.

أرجو أن يكون هذا الشرح مفيدًا بالنسبة لك؛ لأننا في إسلام ويب نعرف أن الإنسان إذا تفهم حالته ووصل لقناعات لما ذكر له -والذي غالباً ما يكون بالطبع قائمًا على معلومات علمية كاملة-، هذا في حد ذاته يخفف على الإنسان كثيرًا، ويعطيه نوعًا من الدفع والتوجه الإيجابي نحو العلاج، هذه هي النقطة الأولى.

ثانيًا: أود أن أقول لك: إن الرهاب الاجتماعي دائمًا يعطي الإنسان شعورًا بضعف الثقة في نفسه، وأنه مراقب من قبل الآخرين، وشيء من هذا القبيل، هذا الأمر ليس صحيحًا؛ فقد قام أحد العلماء النفسيين بتصوير أناسٍ يعانون من الخوف الاجتماعي في مواقف اجتماعية دون علمهم، مثلًا: حينما يواجهون الآخرين أو يتحدثون أمام الآخرين، وبعد ذلك عرض عليهم صورهم، واتضح لهم جميعًا أن مشاعرهم التي كانت تنتابهم وتسيطر عليهم من خوف وشعور بالتلعثم والتعرق والرجفة وهكذا، كانت مشاعر مبالغًا فيها تمامًا، وقد كان أداؤهم أفضل بكثير مما يتصورون.

إذن هذه التجربة العلمية أعتقد أنها دليل واف وكاف بأن الإنسان يجب أن يتحكم في مشاعره، ولا يتخوف حيال هذه المخاوف.

ثالثًا: العلاج الضروري والمهم جدًا هو أن تواجه هذه المخاوف؛ لأن التجنب سوف يزيد منها، وبناء على ما ذكرناه لك من هذه التجربة العلمية وكذلك طبيعة المخاوف الاجتماعية فتكون المواجهة هي الأساس، فلا تتجنب الناس، انظر إليهم في وجوههم، حيهم، تبسم في وجه إخوتك؛ هذا كله يسهل عليك عملية التفاعل الاجتماعي، وأنصحك بأن تجلس في الصف الأول دائمًا في المسجد، وأقول لك وأكرر: إن الناس لا ينظرون إليك، فهذه مشاعر سالبة، والمسجد مكان الأمان والاطمئنان، وكل من يرتاده -إن شاء الله- من الخيرين، ولا أحد يريد بك شرًا في هذا المكان.

أنصحك بأن تحضر حلقات التلاوة، فهذه الحلقات فيها الكثير من التفاعلات الإيجابية التي تزيد من مهارات الإنسان الاجتماعية، بجانب أنها محفوفة بالملائكة -بفضل الله تعالى-، أسأل الله لك الأجر والثواب.

كذلك مارس أي نوع من الرياضة الجماعية، مثل كرة القدم؛ فهي تعطي للإنسان فرصة للتفاعل الاجتماعي الإيجابي الجيد، وكن حريصًا على حضور المحاضرات والمناسبات الاجتماعية، وكن دائمًا في الصفوف الأولى، هذا أمر هام وضروري.

بالنسبة للعلاج الدوائي: أرى أنه ضروري ومهم جدًا في حالتك، وسوف يزيل هذا القلق، وسوف يعطيك الطاقة النفسية الإيجابية -بإذن الله-، وسوف يحسن من تركيزك وذلك بعد أن يُقضى على القلق.

من الأدوية الجيدة والفعالة لعلاج حالتك، دواء يعرف تجاريًا باسم (زولفت ZOLOFT)، ويسمى تجاريًا باسم (لسترال LUSTRAL)، هذه أسماؤها التجارية، وقد يوجد عندكم تحت مسمىً تجاري آخر، أما اسمه العلمي فهو (سيرترالين SERTRALINE)، وعليه أرجو أن تسأل عنه تحت هذا المسمى.

ابدأ في تناول هذا الدواء بجرعة 50 مليجرام -حبة واحدة- في اليوم، يفضل تناولها ليلًا، تناولها بعد الأكل دائمًا أفضل، واستمر عليها لمدة شهر، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى 100 مليجرام في اليوم -أي حبتين-، ويمكنك أن تتناولها كجرعة واحدة ليلًا، أو حبة في الصباح وحبة في المساء، وإذا شعرت بزيادة في الاسترخاء، أو زيادة في النوم، فهنا يجب أن تكون الجرعة مسائية.

استمر على جرعة 100 مليجرام لمدة ستة أشهر، وهذه ليست جرعة كبيرة؛ حيث إن الدواء يمكن تناوله حتى أربع حبات في اليوم، أي 200 مليجرام، ولكني لا أرى أنك في حاجة لهذه الجرعة.

بعد انقضاء الستة أشهر خفض جرعة الدواء إلى حبة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر أخرى، ثم خفضها إلى حبة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

يتميز السيرترالين بأنه دواء ممتاز وفعال ويقضي تمامًا -إن شاء الله تعالى- على المخاوف الاجتماعية، وهو ليس دواءً إدمانيًا، ومن آثاره الجانبية أنه ربما يؤدي إلى زيادة بسيطة في الوزن، كما أنه في بعض الرجال ربما يؤدي إلى تأخر بسيط في القذف، أي الإنزال المنوي، ولكن هذا تأثير مؤقت، ولا يؤدي مطلقًا إلى أي آثار سلبية على هرمونات الذكورة، أو مقدرة الرجل على الإنجاب.

نسأل الله لك العافية والشفاء، وعليك بأن تأخذ بالتطبيقات السلوكية التي ذكرناها لك، وتتناول الدواء في وقته وحسب ما وصفناه لك. والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً