الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل المولى تبارك وتعالى أن يفرج همك، وينفس كربك، وييسر أمرك، ويشرح صدرك، إن ربنا سميع مجيب، فتضرعي إليه وارفعي إليه حاجتك، فقد قال سبحانه: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ {النمل: 62}.
وقد أمر الله بحسن عشرة الزوجة فقال: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء: 19}.
قال الجصاص في أحكام القرآن: أمر للأزواج بعشرة نسائهم بالمعروف، ومن المعروف أن يوفيها حقها من المهر، والنفقة، والقسم، وترك أذاها بالكلام الغليظ، والإعراض عنها، والميل إلى غيرها، وترك العبوس والقطوب في وجهها بغير ذنب، وما جرى مجرى ذلك، وهو نظير قوله تعالى: فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ {البقرة: 229}. انتهى.
وقد أحسنت بصبرك عليه ومراعاة وجود الأطفال، وحرصك على عدم حرمانهم من العيش في بيئة تعينهم على حسن النشأة، وهذا يدل على حكمة وكمال عقل، فجزاك الله خيرًا، ونرجو أن يكون عاقبة هذا الصبر خيرًا. وانظري الفتوى: 18103، ففيها بيان فضل الصبر.
ثم إن كنت متضررة حقًا من الاستمرار معه، فيجوز لك طلب الطلاق منه، فالضرر البيِّن يبيح للمرأة ذلك؛ كما نص عليه أهل العلم، وسبق أن بينا ذلك في الفتوى: 37112.
ولكن الطلاق قد لا يكون الأصلح، فعواقبه سيئة -في الغالب- وخاصة على الأطفال، ولذلك نؤكد على الصبر والدعاء، هذا بالإضافة إلى بذل النصح له بالحكمة والموعظة الحسنة، وتذكيره بما هو فيه من التفريط في حق الله تعالى، والتفريط في حقك كزوجة، ويمكنك أن تستعيني في نصحه بأهل الفضل والخير والعقلاء من أهلك وأهله، ومن ترجين أن يقبل نصحهم ويؤثر عليه، قال الله -عزَّ وجلَّ: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا {النساء: 35}. ولا نظنك تعدمين وجود من يعينك في هذا السبيل.
ويجب عليك طاعة زوجك بالمعروف، والقيام بما يقتضيه النكاح وتوابعه، وخاصة فيما يتعلق بإجابته إذا دعاك للفراش، وعدم الامتناع عن إجابته لغير عذر شرعي، وراجعي الفتوى: 50343، والفتوى: 158051.
ومجرد التعب والانشغال بأعمال البيت، لا يسوغ لك الامتناع عن إجابته، ولكن إذا منعك حقًا لك عليه -كالنفقة مثلاً- فقد أجاز بعض العلماء للمرأة أن تمنعه حقه، فلا تجيبه للفراش، وسبق بيان ذلك في الفتوى: 183865.
ولكن إذا لم تكن معاملة الزوجة لزوجها على هذا النحو، ينصلح بها حاله، ويزول بها الإشكال، فمن الحكمة أن لا تفعل؛ لأن هذا قد يجعل المشكلة أكثر تعقيدًا، ولا يعين على حلها، ويزداد الزوج بها عنادًا.
والله أعلم.