الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت هذه السيارة سيارة معينة في ملك البائع، ويقع عقد البيع عليها بذاتها، فهذا من بيع العين الغائبة، وانظر فيه الفتوى: 507022.
ولا حرج في جعل أجل التسليم ما بين 60 / 70 يومًا، ولا في كون سعر السيارة شاملاً للشحن، فالمهم أن يقع العقد على ثمن معلوم، مع الاتفاق على مكان التسليم.
وأمّا إن كانت السيارة غير معينة، بل تباع على الصفة، فهذا من بيع السَّلَمِ، ومعلومية الأجل في بيع السلم شرط في صحته عند عامة أهل العلم، ويشكل على هذا تفاوت الأجل عشرة أيام ما بين الستين إلى السبعين يومًا! ولكنه يحتمل الصحة، خاصة على مذهب المالكية، ورواية عند الحنابلة.
والمخرج من ذلك أن يضرب الأجل الأبعد في العقد، مما يعلم وصول السلعة فيه أو قبله، فقد نص الفقهاء على أن البائع في عقد السَّلَمِ لو أَحضَرَ المُسلَمَ فيهِ قبل وقته، ولا ضرر على المشتري في قبضه أنه يلزمه قبضه، وراجع في ذلك الفتوى: 472897.
وأما السؤال الثاني فجوابه: أنه لا مانع من أن يراعي البائع في قدر الثمن عملية الشحن، فيقول للمشتري: ثمن السلعة واصلة الى بلدك كذا، ويتفقان على هذا القدر، ويمضيان عقد السلم عليه.
وقد اختلف العلماء في اشتراط تعيين مكان إيفاء المُسلَم فيه.
قال ابن قدامة في المُغني: الشرط الثاني المختلف فيه: تعين مكان الإيفاء. قال القاضي: ليس بشرط. وحكاه ابن المنذر عن أحمد، وإسحاق، وطائفة من أهل الحديث. وبه قال أبو يوسف ومحمد. وهو أحد قولي الشافعي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أسلم فليسلم في كيل معلوم، أو وزن معلوم، إلى أجل معلوم». ولم يذكر مكان الإيفاء، فدل على أنه لا يشترط ... ولأنه عقد معاوضة، فلا يشترط فيه ذكر مكان الإيفاء، كبيوع الأعيان.
وقال الثوري: يشترط ذكر مكان الإيفاء. وهو القول الثاني للشافعي.
وقال الأوزاعي: هو مكروه؛ لأن القبض يجب بحلوله، ولا يعلم موضعه حينئذ، فيجب شرطه لئلا يكون مجهولاً.
وقال أبو حنيفة، وبعض أصحاب الشافعي: إن كان لحمله مؤنة، وجب شرطه، وإلا فلا يجب؛ لأنه إذا كان لحمله مؤنة اختلف فيه الغرض، بخلاف ما لا مؤنة فيه.
وقال ابن أبي موسى: إن كانا في برية لزم ذكر مكان الإيفاء، وإن لم يكونا في برية، فذكر مكان الإيفاء حسن، وإن لم يذكراه كان الإيفاء في مكان العقد؛ لأنه متى كانا في برية لم يمكن التسليم في مكان العقد، فإذا ترك ذكره كان مجهولا، وإن لم يكونا في برية اقتضى العقد التسليم في مكانه، فاكتفى بذلك عن ذكره، فإن ذكره كان تأكيدًا، فكان حسنًا، فإن شرط الإيفاء في مكان سواء، صح؛ لأنه عقد بيع فصح شرط ذكر الإيفاء في غير مكانه، كبيوع الأعيان. ولأنه شرط ذكر مكان الإيفاء، فصح، كما لو ذكره في مكان العقد. اهـ.
وصورة المعاملة التي ذكرها السائل ليس للعقد فيها مكان، فإن مكان العاقدين مختلف، والعقد بينهما إلكتروني، وللسلعة مؤنة كبيرة في حملها ونقلها، فلزم أن يشترط فيه تعيين مكان التسليم، أو يقال: إن العرف جار في مثل هذه العقود أن يكون التسليم في بلد المشتري.
وقد جاء في المعايير الشرعية في المعيار رقم (10) المتعلق بالسلم: الأصل أن يحدد محل تسليم المسلم فيه، فإذا سكت المتعاقدان عن ذلك اعتبر مكان العقد مكانا للتسليم، إلا إذا تعذر ذلك فيصار في تحديده إلى العرف. اهـ.
والله أعلم.