السؤال
أنا شابٌ منّ الله عليّ بالتوبة مؤخرًا، وأسأل الله الثبات والهداية. كنتُ مسلمًا، لكنني كنتُ غافلًا عن الصلاة، وتائهًا في طريقي، كحال كثيرٍ من شباب أمتنا اليوم.
في الفترة الماضية، كنتُ أعمل في بيع منتجاتٍ رقمية عبر الإنترنت، ومع مرور الوقت، وبعد بحثٍ وتدقيق، اكتشفتُ أن هذه المنتجات محرّمة شرعًا. ولا زلتُ أعمل في هذا المجال حتى الآن، لكنني أبحث جديًّا عن بديلٍ حلالٍ لأتركه في أقرب وقت، توبةً إلى الله وطلبًا لرضاه.
كنتُ قد جمعتُ بعض المال من هذا العمل، واستثمرتُ جزءًا منه في مشروعٍ آخر حلال، والحمد لله. كما أنني اشتريتُ بهذا المال بعض الأغراض الشخصية، مثل الملابس وغيرها. فهل يجب عليّ أن أتخلص من هذا المال، ومن الأشياء التي اشتريتها به، وأبدأ من جديد؟ أم يجوز لي أن أستخدم هذا المال مؤقتًا، إلى أن يحقق مشروعي الحلال أرباحًا، ثم أتخلص من المال المحرّم أو المختلط؟
وجزاكم الله خيرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول السائل: (وبعد بحثٍ وتدقيق، اكتشفتُ أن هذه المنتجات محرّمة شرعًا)، يُفهم منه أنه عندما اكتسب هذا المال، لم يكن يعلم بحرمة هذه المنتجات، فإن كان كذلك، فلا حرج عليه في الانتفاع بما اكتسبه قبل ذلك وهو جاهل بالحرمة، لقوله تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ [البقرة: 275].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء: وأما الذي لا ريب فيه عندي فهو ما قبضه بتأويل أو جهل، فهنا له ما سلف بلا ريب، كما دل عليه الكتاب والسنة والاعتبار. اهـ. وراجع في ذلك الفتويين: 404035، 430345.
هذا حكم المال الذي اكتسبه السائل بطريقة محرمة وهو لا يعلم بالحرمة، وأمّا بعد العلم، فيجب عليه ترك العمل المحرم، والتخلص من المال الذي اكتسبه بعد ذلك، بإنفاقه في أبواب البر والمصالح العامة، أو إعطائه للفقراء والمساكين. وإن كان هو فقيرًا يحتاج إلى المال للنفقة على نفسه أو من تلزمه نفقتهم، أو لإكمال مشروعه الحلال، فله أن يأخذ منه بقدر حاجته؛ أُسوةً ببقية الفقراء، ولا يلزمه أن يتخلص من الأشياء التي اشتراها بذلك المال، وإنما يتخلص من قدر المال الحرام فقط، كما مر تفصيله، وراجع في ذلك الفتوى: 464335.
ونسأل الله تعالى أن يتوب عليك، وأن يوفقك، ويثبتك على الحق، ويتم عليك نعمته.
والله أعلم.